الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.واقعة عساكر لؤلؤ بعماد الدين. ولما عاد عسكر الموصل عن حصار العمادية خرج زنكي إلى قلعة العقر ليتمكن من أعمال الموصل الصحراوية إذ كان قد فرغ من أعمالها الجبلية وأمده مظفر الدين صاحب اربل بالعساكر وعسكر جند الموصل على أربع فراسخ من البلد من ناحية العقر ثم اتفقوا على المسير إلى زنكي وصبحوه آخر المحرم سنة ست عشرة وستمائة وهزموه فلحق باربل وعاد العسكر إلى مكانهم ووصل رسل الخليفة الناصر والاشرف ابن العادل في الصلح بينهما فاصطلحوا وتحالفوا والله تعالى أعلم..وفاة نور الدين صاحب الموصل وولاية أخيه ناصر الدين. لما توفي نور الدين أرسلان شاه ابن الملك القاهر كما قدمناه من سوء مزاجه واختلاف الاسقام عليه فتوفي قبل كمال الحول ونصب لؤلؤ مكانه أخاه ناصر الدين محمد بن القاهر في سن الثلاث واستخلف له الجند وأركبه في الموكب فرضي به الناس لما بلوا من عجز أخيه عن الركوب لمرضه والله تعالى ولى التوفيق..هزيمة لؤلؤ صاحب الموصل من مظفر الدين صاحب اربل. ولما توفي نور الدين ونصب لؤلؤ أخاه ناصر الدين محمدا على صغر سنه تجدد الطمع لعماد الدين عمه ولمظفر الدين صاحب اربل في الاستيلاء على الموصل وتجهزوا لذلك وعاثت سراياه في نواحي الموصل وكذا لؤلؤ قد بعث ابنه الأكبر في العساكر نجده للملك الاشرف وهو يقصد بلاد الإفرنج بالسواحل ليأخذ بحجزتهم عن امداد اخوانهم بدمياط عن أبيه الكامل بمصر فبادر لؤلؤ إلى عسكر الاشرف الذين بنصيبين واستدعاهم فجاؤا إلى الموصل منتصف سنة عشر وستمائة وعليهم ايبك مولي الاشرف فاستقلهم لؤلؤ ورآهم مثل عسكره الذين بالشام أودونهم وألح على عبور دجلة إلى اربل فمنعه أياما فلما أصر عبر لؤلؤ معه ونزلوا على فرسخين من الموصل شرقي دجلة وجمع مظفر الدين زنكي وعبروا الزاب وتقدم إليهم ايبك في عسكره وأصحاب لؤلؤ وسار منتصف الليل من رجب وأشار عليه لؤلؤ بانتظار الصباح فلم يفعل ولقيهم بالليل وحمل ايبك على زنكي في الميسرة فهزمه وانهزمت ميسرة لؤلؤ فبقي في نفر قليل فتقدم إليه مظفر الدين فهزمه وعبر دجلة إلى الموصل وظهر مظفر الدين على تبريز ثلاثا ثم بلغه أن لؤلؤا يريد تبييته فأجفل راجعا وترددت الرسل بينهما فاصطلحا على كل ما بيده والله أعلم..وفاة صاحب سنجار وولاية ابنه ثم مقتله وولاية أخيه. ثم توفي قطب الدين محمد بن زنكي بن مودود بن الاتابك زنكي صاحب سنجار في ثامن صفر سنة ست عشرة وستمائة وكان حسن السيرة مسلما إلى نوابه وملك بعده ابنه عماد الدين شاهين شاه واشتمل الناس عليه فملك شهورا ثم سار إلى تل اعفر فاغتاله أخوه عمر ودخل إليه في جمعة فقتلوه وملك بعده وبقي مدة إلى أن تسلم منها الاشرف بن العادل مدينة سنجار في جمادى سنة سبع عشرة وستمائة والله أعلم..استيلاء عماد الدين على قلعة كواشي ولؤلؤ على تل أعفر والأشرف على سنجار. كانت كواشي من أحسن قلاع الموصل وأمنعه وأعلاه ولما رأى الجند الذين بها بعد أهل العمادية واستبدادهم بأنفسهم طمعوا في مثل ذلك وأخرجوا نواب لؤلؤ عنهم وتمسكوا بإظهار الطاعة على البعد خوفا على رهائنهم بالموصل ثم استدعوا عماد الدين زنكي وسلموا له القلعة وأقام عندهم وبعث لؤلؤ إلى مظفر الدين يذكره العهود التي لم يجز ثلمها بعد فأعرض وأرسل إلى الأشرف بحلب يستنجده فسار وعبر الفرات إلى حران وكان مظفر الدين صاحب أربل يراسل الملوك بالأطراف ويغريهم بالأشرف ويخوفهم غائلته ولما كان بين كيكاوس بن كنجسر وصاحب الروم من الفتنة ما نذكره في أخباره وسار كيكاوس إلى حلب دعا مظفر الدين الملوك بناحيته إلىوفاق كيكاوس مثل صاحب كيفا وآمد صاحب ماردين فأطاعوه وخطبوا له في أعمالهم ومات كيكاوس وفي نفس الأشرف منه ومن مظفر الدين ما في نفسه ولما سار الأشرف إلى حران لمظاهرة لؤلؤ راسل مظفر الدين جماعة من أمرائه مثل أحمد بن علي المشطوب وعز الدين محمد بن بدر الحميدي وغيرهما واستمالهم ففارقوا الأشرف ونازلوا دبيس تحت ماردين ليجتمعوا مع ملوك الأطراف لمدافعته الأشرف واستمال الأشرف صاحب آمد وأعطاه مدينة حالى وجبل حودي ووعده بدارا إذا ملكها فأجاب وفارقهم إليه واضطر آخرون منهم إلى طاعة الأشرف فانحل أمرهم وإنفرد ابن المشطوب بمشاقة الأشرف فقصد أربل ومر بنصيبين فقاتله شيخ بها فانهزم إلى سنجار فأسره صاحبها وكان هواه مع الأشرف ولؤلؤ فصده ابن المشطوب عن رأيه فيهم حتى أجمع خلافه وأطلقه فجمع المفسدين وقصد البقعا من أعمال الموصل فاكتسح نواحيها وعاد ثم سار من سنجار ثانية إلى الموصل وأرصد له لؤلؤ عسكرا فاعترضوه فهزمه واجتاز بتل أعفر من أعمال صاحب سنجار فأقاموا عليها وبعثوا إلى لؤلؤ فسار وحاصرها وملكها في ربيع سنة سبع عشرة وستمائة وأسر ابن المشطوب وجاء به إلى الموصل ثم بعث به إلى الأشرف فحبسه بحران سنين وهلك في محبسه ولما أطاع صاحب آمد الأشرف رحل من حران إلى ماردين ونزل دبيس وحاصر ماردين ومعه صاحب آمد وترددت الرسل بينه وبين صاحب ماردين على أن يرد عليه رأس عين وكان الأشرف قد أقطعها له على أن يحمل إليه ثلاثين ألف دينار وأن يعطي لصاحب آمد الورزني بلد وانعقد الصلح بينهما وإرتحل الأشرف من دبيس إلى نصيبين يريد الموصل فلقيه رسل صاحب سنجار يطلب من يتسلمها منه على أن يعوضه الأشرف منها بالرقة بما أدركه من الخوف عند استيلاء لؤلؤ على تل أعفر ونفرة أهل دولته عنه لقتله أخاه كما ذكرناه فأجابه الأشرف وأعطاه الرقة وملك سنجار في جمادي سنة سبع عشرة وستمائة ورحل عنها بأهله وعشيرته وانقرض أمر بني زنكي منها بعد أربع وتسعين سنة والبقاء لله وحده.
|